يبدو أن مهمة مهاتفة طبيب جرّاح من المهام المستعصية، تماماً كعملية جراحية معقدة لا تصلح سوى على يديه في غرفة معتمة إلا من ضوء معلق في سقف الغرفة يسقط دون وسيط على بقعة مفتوحة من جسد المريض، والأصوات خافتة إلا من صوت جهاز القلب الذي يعلن الانتصار لحياة المريض.
داخل غرفة العمليات التي ينحصر وجودها في أقصى الجناح الأيسر من الطابق الثالث في مبنى الجراحة داخل أروقة مجمع الشفاء الطبي، تحتفظ عتباتها بخطوات الأطباء بعد فرض نجاحاتهم المنافسة لأيدي أطباء يعملون في أكناف مشافي دولية على مستوى العالم.
لا شيء سوى الدهشة بعد انتظار ثقيل، مر عليه مئة دقيقة بعد الثمانين ليتم ساعات ثلاث بانتظار كلمة تطفئ نيران مشتعلة، ووجه ترتسم على ملامحه بشرى بتمام نجاح عملية استئصال ورم دماغي يقصد حياة مريضة خمسينية.
تكمن الدهشة في نجاح الطبيب نضال أبو هدروس اختصاصي جراحة الأعصاب والأورام، باستئصال الورم الدماغي الذي هدد حياة المرأة الخمسينية، وإنهاء مرضها بالإشراف على خروجها من المستشفى على أقدامها دون عودة، وهي من الأمراض النادرة والتي يسعى أصحابها للحصول على تحويلات مرضية إلى الخارج.
إنجازات
الطواقم الطبية في غزة تجاوزت أصعب المراحل، وعاصرت عدة من المشاكل المستعصية والعمليات المعقدة والنادرة جدا على نطاق العالم، إلا أنهم كالأعمدة الراسخة في بنيان قائم بأصوله، لا حياة آمنة للمرضى دون وجودهم في أروقة المشافي.
في الفترة القليلة الماضية سمع صدى الكلمات التي أطلقها استشاري النساء والتوليد وجراحة الأورام بمستشفى ليفربول بالمملكة المتحدة أحمد لطفي، حين أشاد بعمل قسم الولادة وكفاءته العالية ومهارة طواقمها التي تفوق المتوقع، غير أنه يفضل أن تأتي ابنته إلى غزة لتلد على أيدي الأطباء المهرة.
وتفاجئ لطفي بمستوى الكفاءة العالية والتدريب الذي يحظى به أطباء الولادة بمجمع الشفاء الطبي والتي تضاهي أعلى المستويات على مستوى العالم ولا تقل بالمطلق عن مستوى الأطباء بمستشفى ليفربول.
وقال لطفي: إن ما يميز أطباء مجمع الشفاء الطبي عن غيرهم من الأطباء في العالم قدرتهم الفائقة على العطاء وبذلهم مجهود لا يستطيع أحد بالعالم القيام به، حيث أجرى 20 عملية جراحية معقدة ونوعية، شملت عمليات لإزالة الأورام داخل الرحم وإزالة الخلايا اللمفاوية، إلى جانب عمليات متعلقة بحالات سقوط الرحم وأخرى باستخدام المنظار.
بأيدي محلية
وفي نقلة كبيرة لمرضى الكلى تحملهم من الموت البطيء إلى الحياة المستقرة، حمل الأطباء في غزة بشرى إمكانية زراعة الكلى للمرضى بدلا من غسلها كحل بديل، يغني المريض عن سلسلة الآلام الممتدة التي تبدأ على الأجهزة وتنتهي بموت محقق.
"في القريب العاجل سيكون هناك فرص مؤكدة تمكن الأطباء أنفسهم من زراعة الكلى للمرضى دون الاستعانة بوفود خارجية، لتكن العمليات بأيدي غزاوية"، هذا ما صرح به الطبيب وليد مسعود رئيس وفد الأطباء القادم إلى غزة.
فرص زراعة الكلى للمرضى بها ما هو تحدٍ نجح الأطباء في قطاع غزة بتجاوزه رغماً عن المساحة الجغرافية المحاصرة بكل ما أوتي العالم الخارجي من قوة، وما هو إلا انتصار يسجله الأطباء على الظروف التي منعت آلاف المرضى من الخروج من غزة لخوضهم تجربة الموت ألف مرة على بوابة المعبر.