تشرفت نهاية الاسبوع الفائت بالمشاركة في جولة ميدانية نظمها المكتب الاعلامي الحكومي في غزة برفقة رئيس المكتب الزميل القدير سلامة معروف وكوكبة من الاعلاميين والصحفيين شملت عدة مواقع حيوية ومهمة في قطاع غزة ووقفنا فيها عن قرب على جهود وزارتي المالية والاقتصاد الوطني تحديدا في دعم المنتج الوطني وتذليل العقبات امام المصنعين والتجار وتنفيذ الاستراتيجية الحكومية الهادفة لتشجيع الصناعة الوطنية كما اتيح لنا الاطلاع على المعيقات والصعوبات التي تواجه الصناعات الفلسطينية.
كانت أولى المحطات التي قمنا بزيارتها ضمن جولتنا مديرية دمغ ومراقبة المعادن الثمينة التابعة لوزارة الاقتصاد الوطني، وهي المرة الاولى التي يتاح فيها للصحفيين الاطلاع عن كثب على عمل هذه الهيئة في ادارة ملف المعادن الثمينة في قطاع غزة ..
رأينا كيف يعمل موظفون كادحون يتقاضون فتات الرواتب متابعة وفحص، ما يصل من معادن ثمينة من الخارج والعمل على دمغها، ومن ثم السماح للتجار بترويجها داخل الأسواق المحلية، إضافة لمتابعتها لمحلات بيع الذهب والمجوهرات، من خلال الجولات اليومية التي تقوم بها الطواقم التفتيشية المعادن ومنع عمليات الغش والتحايل على المواطنين.
لمسنا في أعين الموظفين الذين يقلبون الذهب ويتفحصونه ويتأكدون من سلامته حرصهم على الاستمرار في العمل رغم الظروف الصعبة وقلة الرواتب ، اضافة عدم توفر عدد كاف من الموظفين، وصعوبة إدخال بعض الأجهزة والمواد الخام، المطلوبة لإتمام عمليات فحص المعادن ولمسنا منهم حاجتهم لصرف علاوة تشجيعية خاصة نظرا لطبيعة مهنتهم .
كانت المحطة الثانية في جولتنا زيارة المنطقة الصناعية شرق غزة التي تبعد عن مركز المدينة بحوالي 4 كيلو مترات فقط والتي واكبنا حفل افتتاحها عام 1997بحضور الرئيس الراحل ياسر عرفات حيث انشئت بدعم وتمويل من وكالة التنمية الامريكية والدول المانحة كخطوة تشجيعية لدعم الاقتصاد الفلسطيني الناشئ وتشجيع المستثمرين على الاستثمار في فلسطين وفتح المجال امامهم لتصدير منتجاتهم مباشرة للأسواق الاوربية لتنافس افضل المنتجات العالمية .
رغم الصعوبات الجمة والعراقيل التي تفرضها دولة الاحتلال الا أننا وجدنا نماذج مبدعة وناجحة للصناعات الفلسطينية داخل المنطقة الصناعية ولمسنا تصميما على اختراق جدار الحصار واجراءات التضييق التي تمارسها سلطات الاحتلال منذ أكثر من اثني عشر عاما.
تحتضن المنطقة الصناعية أقيمت على 500 دونـــم، العديد من المصانع والشركات التي وفرت مئات فرص العمل بالرغم من عدم تشغيلها بكامل طاقتها بسبب الحصار والظروف الاقتصادية المتردية في غزة.
زرنا مصنع شركة يونيبال 2000 للتجارة والصناعة والتي تعمل في مجال صناعة النسيج والملابس الجاهزة، الذي يشغل ما يزيد عن 150 عامل من العمال المهرة يعملون على انتاج ملابس تضاهي ارقى المنتجات الأوربية ويتم تصديرها لدولة الاحتلال ومن ثم الى الأسواق الأوروبية، صحيح أن الاجور زهيدة ولا ترقى الى حجم الخبرة التي يتمتع بها هؤلاء العمال لكن ارادة التحدي والتصميم وعدم وجود خيارات امامهم تشكل دافعا قويا لاستمرارهم في العمل.
ووقفنا بعد ذلك امام مصنع"هانوفر" للألبان، التابع لشركة سعد الوادية الذي يعتبر مفخرة للاقتصاد الفلسطيني حيث لم يسمح الا لعدد قليل بالدخول للمصنع بسبب إجراءات التعقيم المكلفة وشاهدنا كم كانت عظمة الانسان الفلسطيني في صناعة أجود المنتجات التي تضاهي مثيلتها الاسرائيلية والعالمية وإتباع أقصى درجات السلامة والنظافة والتعقيم والمحافظة على الصحة العامة.
لكن لمسنا أن المصنع حاليا بأقل من طاقته الإنتاجية بسبب حصر تسويق المنتجات داخل قطاع غزة فقط، بالرغم من قدرة المصنع على التصدير للخارج بمواصفات عالمية والسبب ايضا اجراءات الاحتلال التعسفية .
ثم زرنا بعد ذلك مصنع المشروبات الوطنية كوكا كولا العالمي، حيث استمعنا لشرح معمق من مسؤولي الشركة حول طبيعة العمل ودور الشركة في تعزيز الاقتصاد المحلي وتشغيل الايدي العاملة وشهدنا عمل خطوط الانتاج التي لا تتدخل فيها الايدي البشرية الا في الحدود الدنيا .
كانت محطتنا الثالثة الساحة الجمركية لمعبر كرم أبوسالم، اطلعنا خلالها عن كثب على طبيعة العمل في هذه المنطقة طبيعة العمل في هذا المثلث الحدودي مع مصر ودولة الاحتلال حيث يحصل التجار على أذونات الاستيراد، بعد فحص طبيعة البضائع ومدى حاجة السوق المحلي لها مع مراعاة عدم وجود بديل محلي لهذا المنتج .
يقوم العاملون وجميعهم يتقاضون 40 % من الراتب باستقبال كافة البضائع التي يسمح باستيرادها من الخارج، وإنهاء اجراءات التخليص الجمركي لها وفحص شروط السلامة بها من قبل طواقم متخصصة قبل ان تأخذ طريقها الى أسواق غزة.
كان من المفترض أن تشمل جولتنا الاطلاع على آلية إدخال البضائع المستوردة من مصر عبر بوابة صلاح الدين لكن لضيق الوقت لم يتسنى ذلك المهم أننا استمعنا الى شكاوى بإرتفاع قيمة الرسوم الجمركية التي تجبى على السلع المصرية من قبل الجانب المصرية والتي تساهم في رفع سعر السلعة بشكل كبير مقابل السلع المستوردة من الجانب الاسرائيلي، مما يجعل التجار يفضلون الاستيراد من الجانب الاسرائيلي وهذا يفسر قلة البضائع الواردة من مصر حيث تصل 50 شاحنة من مصر مقابل 500 شاحنة تدخل من معبر كرم ابو سالم، واستمعنا الى مناشدات للجانب المصري لتخفيض الرسوم العالية حتى يتوجه التجار لزيادة الاستيراد من مصر باعتبار أن مصر هي العمق الاقتصادي لغزة وهذا ينعكس ايجابا على الاقتصاد المصري والغزي معا وبالتالي الاستغناء عن الاحتلال.
وختاما يمكن القول أنها كانت جولة ناجحة بكل المقاييس شكرنا فيها المكتب الاعلامي الحكومي برئاسة الزميل سلامة معروف على جهوده مثل هذه الجولات التي تساهم في توفير المعلومات للصحفيين والاطلاع على الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات الحكومية للاستمرار في الحياة وخدمة الوطن والمواطن رغم الصعوبات الجمة وتسليط الضوء على نماذج فلسطينية مبدعة رغم الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة والذي القى بظلال سلبية قاتمة على مجمل جوانب الحياة الفلسطينية.