تمكث الكواليس العصيبة خلف المشاهد الناصعة، فكل قصة نجاح لها أثمان دفعت أصحابها لتحدي الظروف بأشكالها وألوانها المختلفة وسلك دروب النجاح والتفوق، ليس هذا فحسب إنما تعمّد أبناء الشهداء إثبات تميزهم بحصولهم على أعلى معدلات النجاح ليكونوا مثال فخرٍ لآبائهم الشهداء.
"أمل أسامة الحية" واحدة من أولئك الشهود على رحيل عائلتها، وأحد الناجين من حرب شرسة اختطفت منها أمها وأبيها قبل ثمانية أعوام في حرب إبادة لحي الشجاعية عام 2014، واليوم أمل ابنة الثانوية العامة تعلن أنها تنتصر على أوجاعها وحروبها وفقدها الجلل بمعدل 81.3%.
في اللحظات الأولى من إعلان النتائج تاهت نظرات أمل بين جموع الحاضرين بحثاً عن عناق طويل يجمعها بأمها، وما كان منها إلا أن انسكبت الدموع الحارة من عيونها بحثاً عن قامة والدها الذي تمنى أن يشهد يوماً كهذا لفلذة كبده، وقالت معبرة عن فرحتها وحزنها في آن واحد: " ثماني سنوات من الفقد منحتني قوة للنجاح".
" كل ذكريات الحربِ جمعناها في بيتنا الذي قصف أيضًا في العام 2021" لتغدو الدراسة أكثر صعوبةً وتحدٍ، فقررت أن أواصل العمل والاجتهاد لأحقق هدفي وطموحي رغم كل المعوقات" تتابعُ وقد خانتها الدموع.
دائماً على رأس القوائم، ينصع المتميزون بأسمائهم، وبعد البحث والتحري يتضح أنها مرفقة بأسماء آبائهم الشهداء، ويبدو أن درب الشهداء لا يخسر ولا يخيب، ويتبعهم بالتميّز أبنائهم، في واحدة من سبل التحدي للظروف وضربها في عرض الحائط.
وتميزت ثلة من أبناء الشهداء ضمن إعلان نتائج الثانوية العامة للعام 2022، فقد حصلت سارة طه ابنة الشهيد عماد الدين حسن طه 95.9% من الفرع العلمي، بينما تفوقت ملك مشمش ابنة الشهيد رامي عبد الله مشمش بمعدل 95.7% من الفرع الأدبي، وشاركتها الطالبة المتفوقة حنان بدران ابنة الشهيد نضال بدران بمعدل 95.1%.
وفي رسالة أوجزتها الأولى على الوطن المتفوقة مروة عيسى الحاصلة على معدل 99.7%، والتي أهدت تفوقها لأهلها ولكل من وقف إلى جانبها وخصوصا معلماتها، قائلة: "كما أهدي نجاحي إلى الوطن فلسطين والقدس والأسرى وإلى أرواح الشهداء وكل من ضحى وناضل من أجل الوطن"، فلم يكن شرطاً أن تكون الأولى على فلسطين ابن أحد الشهداء، إنما كل الشهداء آبائها واخوتها.
أكد مسؤول مكتب الشهداء والأسرى " زاهر جبارين، أن نجاح أبناء الشهداء والأسرى دليل أنهم خير من يمثل الشعب الفلسطيني رغم غياب الوالد.
وقال في تصريح صحفي، اليوم الأحد: إن "الشعب الفلسطيني يثبت أنه على قدر المسؤولية في هذه الأرض المحتلة، وهو من أقل الشعوب أميةً وهذا دليل تميز"، مضيفاً: "الأسير يشعر بفرح شديد لحظة نجاح أحد أبنائه، رغم لوعة البعاد عنهم".
وهنأت التربية والتعليم الطلبة في كل فلسطين وفي الشتات ومخيمات اللجوء، الناجحين في امتحان شهادة الثانوية العامة لهذا العام، مشددة أن التحصيل العلمي والتنافس فيه، هو سلاح شعبنا في معركته المستمرة من أجل المحافظة على الهوية، والدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية، والتخلص من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
"بهذا التفوق والالتزام والثبات على خط العلم والإيمان الذي أوصلكم إلى انتهاء مرحلة الثانوية العامة بالتفوق وفاء لآبائكم الشهداء الأبرار، وتفوقكم هو أعظم هدية تقدموها لآبائكم من خلال السير على خطاهم وعلى درب العلم والمعرفة والإبداع والتفوق والجهد، للوصول إلى أعلى الدرجات العلمية في الدنيا على طريق أعلى الدرجات التي حصل عليها آباؤكم في جنان الخُلد"، بحسب التعليم.