على أعتاب منزل الطالبة المتفوقة آية أبو الخير الحاصلة على معدل 99% بالثانوية العامة، تقف مندهشاً من نتيجة طالبة كانت تدرس في بيت متهالك بكل ما فيه من جدران تكاد تفقد مسماها الحقيقي، وتتساءل كيف عضت تلك الطالبة على أصابعها كي تصل إلى القمة بكل هذا السوء، الذي تعيشه وسط بيت لا تدخله الشمس ولا يصل إليه الهواء ولا يصلح لأي حياة طبيعية؟ .
يبدو أن المتفوقة آية، كانت تمد بصرها إلى ما بعد يوم الحصاد، وترى بنور بصيرتها ما تريده من أحلام بسيطة، وكان لها ذلك بعدما حصدت بكل ما أوتيت من ذكاء معدلاً متميزاً أغلقت فيه علامات كل موادها الدراسية بـ 100%.
وفي رد طبيعي على هذا الإنجاز الذي تميزت فيه "أبو الخير" فإنها لفتت الأنظار إليها، وتوافد إليها الزائرون والمهنئون حتى أعلنت مؤسسة أحباء غزة ماليزيا عن شراء بيت جديد لعائلتها وكفالة دراستها الجامعية، فلم تتمالك آية دموعها الفرحة حتى خرّت وأبويها سجوداً من مفاجأة الخبر.
حلم حقيقي
لم تستطع الطالبة المتفوقة "نور عبدالله" الرحال ابتلاع دموعها بعد حصولها على معدل 92.6%، بسبب تردي الأوضاع المعيشية لأسرتها ووالدها، لكن دموعها لم يمض عليها ليلة واحدة، بعد أن طرق الخير أبواب بيتها المتواضع.
مقطع فيديو واحد كان كفيلاً بإيصال الصور على حقيقتها، فكان حلمها حقيقة في ليلة وضحاها بتبرع رجل الخير من دولة الكويت، وتدخل امرأة أخرى من عمان لإصلاح الوضع المعيشي لأسرة الطالبة المتعففة، والذي يعاني الكثير من المشاكل، فضلاً عن مرض والدها بمرض نفسي على مدى طويل.
أما الطالبة المتفوقة بسملة الغزالي، ابنة بائع الترمس صاحب العربة المتنقلة بين شوارع القطاع، لم تكن مستسلمة للأوضاع المعيشية المتردية، وثابرت حتى حصلت على معدل 83%، هذه الصورة وحدها كانت كفيلة بإبدال صبرهم بكفالة دراسية وتبني دفع بدل إيجار لمدة عام لأسرتها البسيطة.
فمع إعلان نتائج الثانوية العامة، فتح موسم الخير أبوابه بغير استئذان، وكان له أن يصنع فرحاً عارماً في بيوت المتوفقين من أبناء الثانوية العامة، وكان هذا الفرح مخصصاً هذه المرة من المتفوقين أصحاب الأوضاع المعيشية الصعبة وأبناء الدخول المعدومة.
الصحفي والمبادر الخيري "وائل أبو عمر"، كان واحداً من المشاركين في عمل المبادرات الخيرية عبر الشراكة مع أشخاص ومؤسسات خيرية داخلية وخارجية، وكانت أولى حالات صناعة الفرح استجابة لمناشدة طالبة متوفقة، ما فتح باباً من الخير الكثير لأكثر من 100 طالب وطالبة متفوقة، بحسب ما أخبرنا "أبو عمر".
وقال أبو عمر إن مؤسسة أحباء غزة ماليزيا قد كفلت عدداً من الطلاب في منح دراسية مختلفة، من بينها تكفل دراسة الطب البشري لأصحاب المعدلات العالية والتي تبلغ 35 ألف دولار ثمناً لمسيرة تعليمية كاملة، وامتد دعم أسر هؤلاء الطلاب حسب حاجاتهم سواء من خلال ترميم بيوتهم أو من خلال شراء بيوت جديدة أو حتى كفالة مادية للعائلات المتعففة من ذوي المتفوقين.
بشريات
أما الطالبة المتفوقة رحاب عاشور والحاصلة على معدل 87.9%، وهي ابنة لبائع البقدونس في محافظة رفح، حلمت بإكمال دراستها الجامعية رغم تدني الوضع الاقتصادي الذي تعيشه أسرتها، إلا أن دعماً خيرياً كفل لها دراسة تخصص تكنولوجيا المعلومات "الـ "it، ممتداً لأسرتها في تحسين أوضاعهم المعيشية.
أكد لنا "أبو عمر" أن موسم الخير كشف عن مدى عميق من التكاتف المجتمعي الخيري كما تعوّد المجتمع الفلسطيني على هذه الأعمال، إلا أن الأمر كان نتاجه عظيماً بكفالة الأسر وأصحابها من ذوي المتفوقين، مشيراً إلى أن دائرة المؤسسات الخيرية في غزة كان أولى من فتحت أبواب الدخول في مزاد الخير الذي لم يتوقف بعد.
وقال أبو عمر" إنها المرة الأولى التي يفتح فيها الموسم أبوابه بهذه الطريقة الكبيرة واللافتة، مرجعاً ذلك إلى سوء الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة وارتفاع نسب الفقر بين السكان في قطاع غزة".
أما المبادر الخيري صاحب اليد الطولى في جلب المتبرعين جهاد حلس، فقد كتب على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي "بفضل الله وحده، قمنا اليوم بتوفير كفالة لعدد 15 طالباً جديداً من أشد الأسر فقراً وحاجة من المتفوقين والمتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافاً يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، وذلك من قبل فاعلين خير من الكويت والسعودية وأمريكا والسويد والأردن وقطر وعمان وفلسطين، وقمنا بربط الطلاب بهم مباشرة دون واسطة، ليصبح مجموع الطلاب الذين تمت كفالتهم 65 طالباً وطالبة".
ووصف "أبو عمر" لـ"الرأي" دائرة العمل الخيري وقت إعلان النتائج بـ"غرفة عمليات متكاملة"، في مشهد راصد للمتفوقين وأسرهم وأوضاعهم، لرسم ابتسامة صادقة على وجوه المتفوقين المثابرين على مدار عام كامل من الدراسة، مشيراً أن عدد الحالات الأكبر ممن تم دعهم كانوا بعيداً عن أعين الكاميرات.