"فراشة المسرح" تحمل الطفلة "ليان الشاعر" لقب الفراشة الملونة، تحط بقدميها الصغيرتين بخفة على خشبة المسرح فتغدو محلقة بين غنوة وأخرى، تطير بموهبتها كأنها تجاوزت حدود السماء، وتهبط على الأرض كأنها ريشة رقيقة لا تحمل في قلبها سوى المرح واللهو واللعب والكثير من الحب لأحلامها المنتظرة.
توقفت خطوات "ليان" أمام عتبة أحلامها المعلقة، توقفت تماماً عن التحليق واللعب والمرح وتوقفت صديقاتها الصغيرات كذلك، بعد أن كانت الدليل الأول لهن لطريق يبدو أنه ممتلأ بألوان الحياة، لكن الستار الأسود أُسدِل قبل أن تختمَ الأغاني والمشاهد المبهجة، خُتمت كل الأحلام قسراً بصواريخ الغدر "الإسرائيلية"، وقتلت البطلة "فراشة المسرح".
على أرصفة الطريق، تجمّعت الفتيات الصغيرات، أكبرهن تبلغ من العمر تسعاً، يجمعهن الفقد المفجع لرفيقة اللهو والمرح "ليان الشاعر"، صغيرات يحملن في قلوبهن حزناً يكبر أعمارهن عشرة أضعاف، يبتلعن الدموع كلما تأكد لهن خبر ارتقاء صديقتهن متأثرة بجراحها في مستشفى المقاصد بالقدس المحتلة، لا تسعفهن الكلمات لا تصف فاجعة فقدهن.
"احنا بنحب نلعب زي ليان"
يبدو أن "ليان" تمتلك صديقات كثيرات، تجمعن حول جثمانها وهي ترتدي كفناً أبيض يلتف بعلم فلسطين، بعدما كانت تقودهن كفريق تعلمهن أصول الدبكة الفلسطينية، "على دلعونا وعلى دلعونا، زيتون بلادي أجمل ما يكونا، زيتون بلادي واللوز الأخضر والمريمية وما بنسى الزعتر، وأقراص العجة لمّا بتتحمّر ما أطيب طعمتها بزيت الزيتونا"، على وقع الألحان الفلسطينية كانت تحلق وفرقتها فوق خشبة تضج بالمرح.
"كيف يعني، كيف بيقتلوا طفلة صغيرة ما إلها دخل في أمنهم؟، كيف يعني تركونا بدون صحبيتنا هيك فجأة، كيف قتلوها بطريقة بشعة، كيف قلبهم قوي لهاي الدرجة"، تتقطع أنفاسها الصغيرة وتغرق في دموع رثائها المنكبة، وتتربع فوق رأس حبيبتها تلقي نظرة الوداع الأخيرة.
هذه الصغيرة لا تأبه بعشرات الكاميرات المصفوفة، تنثر كلماتها دون خوف فالمصاب أكبر وأعظم من أن ترتجف لرهبة وقوفها أمام لقاء تلفزيوني مصور، تصرخ في وجه العالم: "احنا بنحب نلعب لسه زي ليان".
تنكب الدموع من عيون الصغيرات، وتحاول إحداهن جمع شتات كلماتها بقولها: "احنا أطفال انخلقنا عشان نلعب ونغني ونرسم ونلون، ومش عشان نموت بالصواريخ ونغرق بالدم، ونودع اصحابنا بعمر صغير، احنا حقنا نعيش زي أطفال العالم".
الطفلة الشهيدة "الشاعر" كانت الدليل الأول لرفيقات دربها الفني، كانت أنس بنات جيرانها في ذات الحي، وصديقة مفضلة لبنات صفها المدرسي، وابنة بارة بوالديها، وفنانة تمتلك روحاً مرحة في باحة المسرح، ولكنها كانت فاجعة مقيتة لهدف صاروخ غادر قضى على براءتها وطفولتها ومرح صديقاتها في لحظة واحدة.
والد الطفلة ليان، يقول: "طفلتي تدهشنا بخفة حركتها، وتؤدي لوحات فلكلورية مميزة، بالإضافة إلى عشقها للأغاني التراثية الفلسطينية ابنتي طفلة نشيطة وتحب مدرستها والحياة عامة، حبها للحياة والشغف أخذ بيدها للغوص في أعمال الفلكلور الشعبي والدبكة الفلسطينية الأصيلة ".
والد الشهيدة يستنكر على "إسرائيل" ارتكابها مئات الآلاف من الجرائم البشعة بحق الأطفال، ويؤكد على أن الكيان يضرب القوانين الدولية بعرض الحائط والتي من المفترض أن تنحي الأطفال جانباً آمناً، لكنه لا يعير احتراماً للمواثيق والأعراف الدولية.
ليان الشاعر، أكملت عدد الأطفال الشهداء بـ 17 واختتمت حلقة العصافير الطائرة برحلة طويلة لن تعود منها أبداً، وفتحت جرحاً عميقاً لن تخيطه الأيام، وجه ليان لن يغيب وسيبقى اسمها يحتفظ بمسمى الموت والحرب والموت المفجع، وسيبقى بطلاً لـ "فراشة المسرح".