بعد عدوان عنيف شنة الاحتلال على قطاع غزة مطلع أغسطس الجاري لثلاثة أيام أنهك فيه المواطنين الفلسطينيين، بدأ العام الدراسي الجديد وبدأت معه المحاولات الجادة في نفض غبار الحرب عن قلوب الناجين من الأطفال بإلحاقهم في مراحلهم الدراسية الجديدة بعدما تعرضوا لصدمات نفسية عميقة.
ندوب الحرب تركت آثارها الغائرة في ذاكرة الأطفال، فلم يتعافى الأطفال من الخوف تجاه أبسط الأشياء التي تحدث ضجيجاً من حولهم، فيعود أحدهم إلى أمه باكياً لترافقه إلى غرفة نومه وحتى قضاء حاجته ليلاً.
ومع استهلال بدء العام الدراسي الجديد، ندب الجروح عاد ليفتح من جديد، فالمقعد هنا في الصف السادس خالي من وجه "رهف سلمان" المصابة ببتر أطرافها الثلاثة، تبكيها صديقاتها ورفيقات مقاعد المدرسة، بعدما كان لها حضوراً هادئاً بين زميلاتها ومعلماتها.
رهف أصيبت في العدوان بقصف "إسرائيلي" لبنك أهداف يتجمع بداخله عشرات الأطفال، قتل منهم تسعة أطفال وأصيب الكثير منهم بجروح متوسطة إلى خطيرة، وكانت "رهف" وشقيقها من بين هؤلاء الأطفال.
لم تعد رهف إلى مقاعد الدراسة كما كانت تنتظر، فقد غيّبت وجهها الإصابة عن حضورها لحياة عادية كما أقرانها من الأطفال، واتسعت لها أسرة المشافي في تركيا لعلاج إصابتها المتشعبة في أنحاء جسدها الصغير.
وفي مدرسة وكالة الغوث للاجئين في محافظة خانيونس، عادت بنات الصف الخامس إلى مدارسهن بثياب جديدة، إلا أن عيونهم غرقت بدموع الفقد على صديقتهم الشهيدة "ليان الشاعر"، فكان صباحاً حزينا ممتلأ بدمع الأطفال لوخز ذكرياتهم بأبشع ما حدث في غضون ثلاثة أيام.
غابت أجواء البهجة المعتادة أول أيام العام الدراسي الجديد عن وجوه طالبات الفصل الذي توشح بالحزن على رحيل واحدة من صديقاتهم، وكان "البكاء" هو سيد الموقف.
واستشهدت الطفلة "ليان الشاعر" متأثرة بإصابتها في قصف إسرائيلي على مدينتها مع اثنين آخرين، وأصيب عدد من أفراد أسرتها؛ خلال عدوان مطلع أغسطس/ آب الجاري؛ الذي ارتقى فيه نحو 50 مواطنًا.
من قلب المدرسة التي استشهدت منها الطفلة "الشاعر" أطلقت التعليم فعاليات العام الدراسي، ليكن عام الانتماء لأرواح الشهداء، تحت شعار ""نحب الحياة وننشد الحرية، وتطلعاتنا هي بناء الوطن والإنسان، كي نخلق جيلاً متعلمًا مثقفًا واعيًا".
عين واحدة ودمعة
أما عن الطفلة أريج عسلية، ابنة الصف الرابع، عادت إلى مدرستها أخيراً بثوب جديد وابتسامة باهتة بعدما توحدت الألوان في عينها اليمنى للون الأسود، فلم تفارقها دمعة عينها المبصرة على فقدها أعز ما تملك.
عادت أريج بعين واحدة ودمعة جارية ونصف ابتسامة، بعد ما حاولت أمها ترميم قلبها بأن منّ الله عليها بإبقاء عين واحدة تؤنس وحشة طريقها، بقايا طفولة أريج ظلت عالقة في أيام العدوان الثلاثة، فوسط انغمارها في اللعب باغت حارتهم صاروخاً تلقت عينها شظياه.
مليون و385 ألف طالب وطالبة، يلتحقون بمقاعد الدراسة في محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد قال وكيل وزارة التربية والتعليم العالي زياد ثابت لـ"الرأي": "نتذكر مع بداية العام الدراسي الطلبة الشهداء الذين قتلهم الاحتلال الصهيوني خلال العدوان على غزة والضفة والقدس"، مؤكداً "رسالتنا للاحتلال أنه رغم العدوان والحصار ومهما قتلتم ومهما شردتم فإننا شعب يحب الحياة وسيواصل مسيرة العلم حتى التحرير والعودة".
وحرصاً على الصحة النفسية التي عاد بها الطلبة إلى مقاعدهم الدراسية، فإن الأسبوع الأول من العام الدراسي سيبدأ ببعض البرامج التعليمية الخاصة بالدعم النفسي لتخليص الطلبة من آثار العدوان الصهيوني الأخير وتهيئتهم للعام الدراسي الجديد بالشكل السليم، بحسب ثابت.
أربعة عشر مدرسة تم افتتاحها في اليوم الأول لبدء العام الدراسي الجديد، وذلك لسد العجز في المباني التعليمية وتعويض ما تم استهدافه من قبل الاحتلال خلال السنوات الماضية في كل عدوان يفرض على قطاع غزة.
سبعة عشر طفلاً، تغيبوا عن مقاعدهم الدراسية اليوم بين رياض الأطفال وبين المراحل الدراسية الأساسية، سبعة عشر بيتاً وعائلة بدأوا عامهم الدراسي بدموع الفقد والكثير من الأحلام التائهة.
نبش الذكريات كان قاس جداً على ذاكرة زينب القولق، الناجية التي فقدت اثنين وعشرين فرداً من عائلتها دفعة واحدة خلال عدوان العام الماضي، :"اليوم مفترض أخويا أحمد يكون توجيهي وأختي هناء مفترض في الحادي عشر وبنت عمي حلا في الصف التاسع، ويارا بالصف السادس، وزيد بالصف رابع، ورولا بالصف الثاني، وآدم بالتمهيدي"، معلقة على قائمة إخوتها الشهداء وأبناء عمها :"بتكبروا بعيد عنا بحياة أحلى".