في معبر رفح البري، اصطفت الفتيات الصغيرات وهنّ يرتدين أثواباً تراثية مطرزة، يحملن بأيديهن سلال القش الممتلئة ببتلات الورد الزهرية، وعلى أنغام الأغاني التي يعلو صوتها بمدح مكة المكرمة وزوّارها، ينثرن الورد على كل حاج في احتفال بهيج لوداعهم قبيل توجههم للديار الحجازية لأداء مناسك الحج.
وبالعودة لعقارب الساعة ستون دقيقة إلى الوراء، فقد استيقظت المدينة الصغيرة مبتهجة على غير العادة بحدود صلاة الفجر، وعلى هيئة جموع عائلية تجمّع الحجاج وذويهم أمام مقار الحج والعمرة الموزعة في أنحاء القطاع في طقوس تبعث دموع الابتهاج والوداع في آن واحد.
"سيدو انت رايح عند الكعبة، ما تنسى تدعيلي أصير أمشي على رجليا"، طفل صغير تجاوز الخمس سنوات من عمره أودع جده أمانيه علناً دون ترتيب مقصود، أسال بوصيته دموع جده المرتحل إلى أراضي الحجاز المقدسة وكل من تلقفت أذانه الوصية.
الطفل الصغير أودع وصيته في صدر جده الذي ما كف عن ابتلاع دموعه مع حديث حفيده الذي أعطب المرض أحلام خطوات أقدامه، لكن الأخير عرفَ يقيناَ أن أثمن الهدايا التي يطلبها من جده على عتبات وداعه هو الدعاء له بأني يشفى من مرضه بمعجزة.
أما عن الحاجة الستينية "علياء موسى" تحدثت لـ "الرأي" وهي تذرف دموع ابتهاجها بقولها: "صارلي 15 سنة بستنى هاليوم، واليوم عندي هو العيد"، وأخذت تدعو لبلادها فلسطين بالأمن والسلام والحفظ لأبنائها وللمسلمين في بقاع الأرض.
على الرصيف الموازي لساحة الكتيبة وسط قطاع غزة، اصطفت العائلات وهي تلوّح بيدها لحجاجها بعد أن ركبوا حافلات الرحلة واستعدوا للانطلاق مع بزوغ شمس يوم الاثنين الثاني عشر من الشهر الجاري مايو للفوج الأول، وتمتد طقوس الوداع حتى أربعة أيام على التوالي حتى استكمال وفود الأفواج الأربعة البالغ عددهم 2668 حاجًّا وحاجّة.
يُذكر أنّ حصة فلسطين من الحجاج لهذا العام تبلغ ستة آلاف و600 حاج، من بينهم أربعة آلاف و92 حاجًّا من الضفة الغربية، وألفان و508 حاجًّا من قطاع غزة، يُضاف إليهم مكرمة خادم الحرمين الشريفين والبالغة ألف حاجٍّ من أهالي الشهداء والأسرى والجرحى الفلسطينيين.
وكانت قد أعلنت لجنة الحج بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية أن تسعيرة الحج لهذا العام 1444هـ / 2023م، لحجاج قطاع غزة تبلغ (3360) دينارًا أردنيًّا، والتي تعد الأعلى تاريخياً مقارنة بالأعوام الماضية ودول الجوار.
البعثة الفلسطينية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية أعلنت فجر اليوم الثلاثاء عن وصول الفوج الأول لحجاج قطاع غزة والبالغ عددهم (900) حاج وحاجة لمطار القاهرة الدولي.
وأوضح رئيس البعثة عادل صوالحة أن إدارة البعثة تعمل على قدم وساق من أجل انهاء إجراءات سفر الحجاج من مطار القاهرة لمطار الملك عبد العزيز في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، لافتا إلى أن حجاج قطاع غزة يتمتعون بصحة جيدة وتقوم إدارة البعثة بدورها على أكمل وجه من خلال تقديم كامل الرعاية المطلوبة لهم طوال فترة الرحلة.
وأشار صوالحة إلى أن رحلة الطيران الأولى انطلقت في تمام الساعة 2:00 قبل الفجر وحمولتها (300) حاج وحاجة، وانطلقت الرحلة الثانية في تمام الساعة 2:40 وحمولتها (300) حاج وحاجة فيما تنطلق الرحلة الثالثة والأخيرة وحمولتها (300) حاج وحاجة في تمام الساعة 8:50 صباحا.
من جهته بيّن وكيل وزارة الأوقاف عبد الهادي الأغا أن الوزارة أنهت ترتيبات سفر الحجاج بجميع تفاصيلها، لافتًا إلى التسهيلات المقدَّمة على معبر رفح البري، والجانب المصري، ومطار القاهرة، وصولًا إلى المملكة العربية السعودية، منوهًا بأن وفدًا من بعثة الحج الفلسطينية متواجد في مكة المكرمة؛ لاستقبال الحجاج، وتوفير سبل الراحة لهم.
وقال الأغا: "نريد من حجاجنا أن يكونوا سفراء لفلسطين والقدس والأقصى، ورسلًا لها في نقل معاناة أهلهم وآمالهم وطموحاتهم، وإظهار الصورة الحسنة الجميلة لأهل فلسطين، وأن لا ينسوا أبناء شعبهم والقدس والأسرى من الدعاء"، مطالبًا البعثة المرافقة للحجاج وشركات الحج ببذل أقصى الجهود؛ لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن.
الأوقاف شكّلت لجنة؛ لاستقبال ووداع حجاج قطاع غزة على معبر رفح البري، وأوفدت وفدًا إلى المملكة العربية السعودية؛ لاستقبال الحجاج فور وصولهم، وتأمين سكنهم وراحتهم.