من جديد، شمَر الرئيس محمود عباس عن ساعديه مطلقا التهديدات والتوعدات بفرض عقوبات جديدة ضد قطاع غزة، ضاربا بذلك كل الجهود المبذولة من أجل التوصل الى مصالحة حقيقية تنهي معاناة المواطنين في شطري الوطن، وخاصة أهالي غزة المحاصرين منذ سنوات طويلة.
وكان عباس أعلن في خطاب له يوم الاثنين الماضي، قراره باتخاذ إجراءات عقابية جديدة على قطاع غزة، متهماً حركة "حماس" بالوقوف وراء حادث تفجير موكب رئيس حكومة التوافق رامي الحمد الله بغزة.
ويرى محللون سياسيون واقتصاديون أن الرئيس سيلجأ لمزيد من تقليص رواتب الموظفين، وإحالة أكبر عدد من الموظفين العموميين للتقاعد المبكر خاصة في وزارتي الصحة والتعليم الأمر الذي سيؤدي إلى وجود حالة من الشلل داخل تلك المؤسسات، إلى جانب تقليص امدادات الكهرباء وسحب السيولة من قطاع غزة ووقف الحوالات المالية.
زيادة معاناة
ويقول المحلل السياسي مأمون أبو عامر:" إن هذه الإجراءات والعقوبات التي يفكر عباس في فرضها، لن يعاني منها سوى المواطن العادي في غزة، وستزيد من معاناة القطاع المحاصر اقتصاديا ".
وحول اتباع الرئيس عباس أسلوب الضغط على حماس وتأثيره على الحركة، يضيف أبو عامر لـ"الرأي":" مزيد من الضغط غير مفيد أو مجدي، وأي عقوبات تهدف لإثارة الناس ضد حركة حماس، ولكن الشارع الفلسطيني لم يعود يحمل الحركة ما يعانيه القطاع من حصار وعقوبات ومعاناة ازدادت كثيرا".
ووفق ما ذكره المحلل السياسي فإن إسرائيل لا يمكن أن تتحمل تفجير الأوضاع في قطاع غزة، وأن الاحتلال سيسعى لتحرك لدى مصر لمنع وقوع أي تفجر خاصة بعد اعتراف إسرائيل بوقوفها خلف تدمير مفاعل نووي بسوريا عام ،2007 وبالتالي ليست بحاجة إلى المواجهة على عدة جبهات.
ويشير أبو عامر إلى أن الناس بغزة لا توجد لديها قناعة بالمبرر الذي اتخذه الرئيس عباس لفرض إجراءات وعقوبات ضد غزة، الأر الذي سيدفع المواطنين إلى الاقتناع بأن السلطة هي السبب في معاناة غزة.
وتأتي تصريحات عباس بشأن فرض عقوبات جديدة ضد قطاع غزة، عقب تعرض موكب رئيس الوزراء رامي الحمد الله ورئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، لتفجير عبوة ناسفة بعد دخولهم قطاع غزة لافتتاح محطة تحلية للمياه.
ضغوطات على حماس
من جهته يؤكد أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الأزهر بغزة معين رجب، أن قطاع غزة يعاني قبل فرض العقوبات عليه، ولكن تلك المعاناة ازدادت بعدها وبشدة، موضحا أن معاناة المواطنين سوف تستمر طالما حكومة الوفاق مستمرة بفرض عقوباتها.
ويقول رجب في حديث لـ"الرأي":" تتمثل العقوبات الجديدة التي قد يفرضها عباس ضد غزة في خصم رواتب الموظفين العموميين إلى جانب التقاعد المبكر لكثير من الموظفين، ووقف تحويلات الشئون الاجتماعية ووقف مخصصات الأسرى والجرحى بغزة، أو تراجع كميات الكهرباء والوقود التي تصل محطة التوليد".
وتعتبر العقوبات والإجراءات العقابية ضد قطاع غزة المحاصر مخالفة لقواعد القانون الدولي والانساني، وليس هناك أي مبرر لفرضها بأي شكل من الأشكال، يؤكد رجب.
وفيما يتعلق بتأثير الإجراءات العقابية على ظروف المواطنين اقتصاديا بغزة، يشير إلى أن قدرة الناس على الشراء تراجعت، إلى جانب عدم قدرة الكثيرين على الإيفاء بوعودهم للمحال التجارية ومحلات السوبر ماركت والبنوك أيضا، الأمر الذي أحدث حالة ركود وكساد تجاري في الأسواق.
ويرى رجب أن فرض العقوبات على غزة ليس بسبب أزمة مالية تعاني منها السلطة، وأن هذه العقوبات اتخذت بشكل صريح لإجبار حركة حماس على تلبية الشروط التي وضعتها حكومة الوفاق معربا عن أمله في أن تعود اللحمة للشعب الفلسطيني وأن تعمل كافة الأطراف على حل كافة المشاكل العالقة.
الفصائل الفلسطينية هي الأخرى، طالبت رئيس السلطة محمود عباس، بعدم فرض عقوبات إضافية على قطاع غزة، ودعته للقدوم لغزة لإنهاء الانقسام.
ودعت الفصائل في بيان لها، عقب اجتماع مع قيادة حماس في مكتب رئيس الحركة بغزة يحيى السنوار إلى ضرورة العمل على عقد مجلس وطني يشارك فيه الجميع بما فيه حماس والجهاد الإسلامي وفق مخرجات اجتماع بيروت عام 2017 واتفاق المصالحة في القاهرة 2011، مطالبةً بالخروج بموقف وطني واحد لمواجهة "صفقة القرن".
يُشار إلى أن الرئيس عباس فرض في شهر مارس من العام الماضي (2017) إجراءات عقابية ضد الموظفين في قطاع غزة بتقليص رواتبهم ومنع توريد الكهرباء من "إسرائيل" إلى القطاع، ما أحدث معاناة كبيرة وكارثة إنسانية واقتصادية في كافة مناحي الحياة.