الأعياد تعيد نفسها على أطفال غزة، سواء بأطنان المتفجرات التي تسقط على أسطح المنازل الآمنة من فوهة الطائرات الحربية فتحول أجساد ساكنيه إلى أشلاء متطايرة، أو بالتشرد في عتمة ليل لا ضوء فيه، يهرب فيه العزل في باحات الشوارع المرقعة بفتحات أرضية أصابتها الطائرات بصواريخها الحربية، لينجوا بأرواحهم وأطفالهم.
"بأي وجه وبأي حال عدت يا عيد؟"، شمس عيد الفطر أشرقت على الأرض ولكنها غابت عن غزة وحدها، أضرمت الصواريخ الحربية أضوائها في السماء منذرة بمجازر لا حد لها على البيوت الآمنة، فكان دخان الغمام الأسود أول رسائل العيد لأطفال غزة، كما عيد سابق عاشته غزة في حرب 2014 "العصف المأكول".
أبواب المحال التجارية الضخمة المتمثلة بحي الرمال وسط قطاع غزة أغلقت أبوابها بصواريخ حربية "إسرائيلية"، دمرت البضاعة المعدة للعرض لموسم عيد الفطر المبارك، بهذه المبادرة التدميرية افتتح الاحتلال حربه على غزة وأخبرها دون وسطاء بأن "العيد سيكون بلون الدماء والدمار".
الأسواق لم يعد لها ملمح تجاري ولو من بعيد، والشوارع لا تعج سوى بسيارات الإسعاف المتلاحقة بنقل جثث الشهداء والجرحى، ووجوه شاحبة تودع شهيد وتستقبل مداوة جريح وترثي بيتا أصبح ركاما بعد صراخ أطفال وبكاء نسائه.
غزة والتي لم تستكمل فرحة شهر رمضان المبارك إلا لأيام قليلة لتقرع الحرب طبولها ويذهب ضحيتها المئات من الشهداء وآلاف الجرحى، فالعديد من الأسر ستستقبل العيد وهي حزينة بعد أن غيّب الموت أحد أفرادها أو عائلاته بأكملها.
فالعيد أصبح رواية تٌسرد تفاصيلها بأحرف رعب حقيقية أّلّـفها الصمت العربي عن مجازر الاحتلال ليعيش تفاصيلها قطاع غزة؛ وهي بحاجة إلى من يضمد جراحها النازفة ويعين على الثبات مواصلة الطريق بعزة وكرامة دون تسليم.
ليلة العيد
وفي مشهد دموي صممته الطائرات الحربية بطريقة بشعة، كان واحداً منها في ليلة العيد التي كان ينتظر أطفال عائلة المصري انقضائها، ستة من الأطفال الصائمين فضلوا إضاعة من تبقى من سويعات قليلة على أذان المغرب في آخر أيام شهر رمضان أمام عمارتهم السكنية الواقعة في وسط مخيم جباليا.
كرة القدم لم تمرر أمام أقدامهم بعد، فكان الصاروخ أسرع من تلك الكرة، فشتت شمل أجسادهم وجمع أرواحهم في أعلى الجنات بارتقائهم شهداء قبيل آذان المغرب، وإيذاناً بإنهاء مراسم العيد في أحياء غزة الحزينة على وداع أحبابها بالجملة.
لا عيد في قطاع غزة سوى للراحلين إلى الجنان، القلوب مكلومة والجراح مفتوحة والبيوت منها ما هو مهدوم ومنها ما يحتضن المشردين من بيوتهم التي أصبحت أكواما من الرماد والدخان، الجرحى يتكدسون على أسرة المشافي، فلم يخلو بيت فلسطيني من جرح الفقد أو الهدم أو التشريد.
وقد أسفر هذا العدوان حتى لحظة كتابة هذا التقرير، لارتقاء 119 شهيداً، منهم واحداً وثلاثين طفلاً، وتسعة عشر من النساء، فيما وصل عدد الجرحى إلى 830 جريحاً جلهم من الأطفال والنساء.