ما إن اتخذت طائرات الاحتلال الحربية أماكنها في سماء قطاع غزة في آخر ليلتين من شهر رمضان المبارك، في ذات اللحظة التي هبت فيه صواريخ المقاومة لتلبية نداء المسجد الأقصى الذي دنسته أقدام الاحتلال، حتى افترست الصواريخ بيوت الآمنين بأطنان من المتفجرات الحارقة والمحرمة دولياً.
يفلس الاحتلال منذ بداية المعركة، ويعلن عن خسارته بفضح بنك أهدافه الخاسر، ويمثل دور الثعلب الماكر حين يجري اتصالاً هاتفياً على واحدة من الأسر الآمنة ويخبرها بتنفيذ أمر إخلاء فوري للبيت إيذاناً بتدميره.
طائرات الاحتلال الحربية التي يقودها صهاينة العدو، يفضلون الإغارة على بيوت الآمنين ليلاً، فما أن يحل المساء حتى يبدأ المشهد بالتصاعد عبر إطلاق كرات اللهب المشتعلة عبر فوهة الدبابات لكل ما يوحي بالحياة، وبإطلاق القذائف عبر بوارج عسكرية بحرية داخل نوافذ البيوت المطلة على البحر، ولا تبرح الطائرات الحربية مكانها حتى تغادر إلى فريسة جديدة.
إغارة طائرات الاحتلال في أوقات متأخرة من الليل على تلك البيوت التي تحتضن بين جدرانها النساء والأطفال والمسنين، لهو دليل واضح على إفلاس بنك الأهداف العسكري الذي أخذ على نفسه عهدا بان يمحق وجود المقاومة في غزة، ولكنه لا يجد أمام ناظريه سوى بيوت الآمنين والأطفال ليستهدفهم.
سجلات كبيرة وكثيرة تراكمت لعائلات مسحت أسمائها كاملاً من صفحات السجل المدني، ونقلت
إلى سجل شهداء العائلة الكاملة، تلك العائلات التي غُدرت في بيتها وهي آمنة مستقرة تستمع كغيرها لصواريخ الطائرات الحربية التي تدك كل حارة وكل شارع، إلا أنها أمنت المكر وأضحت في عداد الشهداء.
عائلة شرير تلك العائلة التي قضت نحبها، خمسة من أطفال العائلة ووالديهما ودعوا الحياة شهداء في قلب بيتهم في اليوم الأخير من شهر رمضان المبارك، ولكن بقي طفلا واحداً منهم يتيماً، كان قد خرج ليشتري بعض الحاجيات.
الطفل أحمد شرير عشرة أعوام من عمره، ومئة عام من الحزن المخلد في قلبه، عاد إلى بيته ولم يطل الغياب ولكنه عاد وتلقفته ألسنه الدخان الأسود من بعيد، "أين البيت الذي خرج من أبوابه؟، أين إخوته الذين بقوا خلفه يتهافتون على اللحاق به، أين اختفت أمه التي علقت ملابس عيده على واجهة الخزانة؟ أين أبيه الذي مد جسده المتعب للنوم على سريره؟، أين السبعة من أهلي؟ أين هم؟ ومن أنا؟".
في غمضة عين واحدة أضحت عائلة شرير في عداد الشهداء، فلم تُحذر العائلة بأمر إخلاء يخبرها بالهروب خارج الجدران، فقد باغتتها الطائرات الحربية بغارات مفاجأة أبقتهم تحت الركام أشلاء شهداء.
عشرات العائلات التي مُسحت اسمائها من صفحات السجل المدني، كانت منها عائلة عبدربه شمال القطاع، وعائلة الرنتيسي في محافظة رفح جنوب القطاع، وعائلة الشوربجي في محافظة خانيونس جنوب القطاع، وعائلة عيسى والمصري والعشرات.
التخبط الجنوني لآلات غدر الاحتلال "الإسرائيلي" والذي يدلل على إفلاس صهيوني كبير دفع الطائرات الصهيونية إلى هتك مزيد من بنك الأهداف الذي تعتبره إسرائيل بأنه منبع الإرهاب، والمتمثل باستهداف البيوت الآمنة والمساجد فكان معظم المصابين والشهداء من الأطفال والنساء.
المزيد من البيوت الآمنة التي ما زالت تستهدف والتي لا تحتضن سوى المدنيين والأطفال والعزل، أوقعت آلات الغدر المجازر البشعة بحق العائلات الآمنة ولا زالت أعداد الشهداء والجرحى في ازدياد مستمر.
بنك الأهداف الذي يوهم الاحتلال نفسه بأنه نجح بتحقيق انتصاره بقوة، هو بمثابة فرد عضلات على الضعفاء من النساء والأطفال والشيوخ بسلاح فتاك يحول الحياة إلى موت، ويحول السماء إلى غيمة واحدة من الدخان الأسود، ويحول كل بقعة تشي بالحياة إلى موت أكيد.