أخبار » تقارير

خلف كواليس الأنقاض .. رجال "الدفاع المدني" بأنصاف قلوب!

18 كانون أول / مايو 2021 05:05

4b699f49-4178-4546-9e2b-b0e4adc056f8
4b699f49-4178-4546-9e2b-b0e4adc056f8

غزة-الرأي - آلاء النمر

أياً كانت الأرقام التي تشير إليها عقارب الساعة بتوقيت قطاع غزة، فإنها سيان عند رجال المهمات الصعبة بل المستحيلة على غيرهم، فبمجرد سماعهم لدوي انفجار يتبعه تصاعد لأعمدة الدخان الضخمة بلونها الأسود، فإن أرواحهم مكانها على أكفهم وحسب.

بمجرد تلويح سيارة الدفاع المدني بشارة الطوارئ والإسراع في طريقها نحو المكان المستهدف من قبل الطائرات الحربية "الإسرائيلية"، فإن الخطر يلاحق أفراد الطاقم بأكمله داخل تلك السيارة التي من المفترض أنها تمتلك حصانة قانونية تمنع يد الاحتلال من المساس بأمان وحياة من بداخلها، لكن طول اليد للاحتلال لا يمنعه من التعدي على الخطوط الحمراء في القانون الدولي والإنساني.

هُنا وسط البقعة المدمرة المحترقة حالاً باستهداف غادر من طائرة حربية في الأجواء، لا ملامح لبداية أو نهاية العمارة السكنية المنهارة والمتناثرة حول ذاتها لعشرات الأمتار، حتى أن العمق الذي أدخلته أطنان المواد المتفجرة للبناية السكنية في باطن الأرض غير متوقع، ولكن المؤكد أن تحت تلك الأعماق المدمرة عشرات المدنيين كانوا نائمين مطمئنين في بيوتهم.

وهنا تبدأ المهمة الشاقة لرجالات الدفاع المدني بإطفاء الحريق أولاً، ومن ثم محاولة معرفة عدد من كانوا داخل العمارة السكنية، وهل هناك أحد بقي على قيد الحياة، صعوبة المهمة تكمن في بقاء أصوات تنادي بإنقاذها من تحت أنقاض الركام، لتبدأ الطواقم بنبش حفرة تتسع لإخراج ناجين ولو كانت نقطة ضوء واحدة.

نبش حفرة تتسع لإخراج من بقي حياً ليست بالأمر الهين، فربما تلك الروح تجثم تحت سقف إسمنتي لا يقدر على إزاحته فريقاً من عشرين رجل على الأقل، ربما ينتهي النهار بأكمله وينسدل ظلام الليل قبل أن يتمكن الدفاع المدني من إكمال مهمتهم.

يندفع صوته بالغضب ويتدكس حلقه بالدموع وينادي :"في حد عايش هنا؟؟ .. إذا في حد عايش يحكي أنا يحكي أي كلمة"، ينادي رجل الدفاع المدني محمد أبو سمرة وسط فتحات الحجارة داخل أنقاض الركام ليسمع من كان حياً، علّ هناك من بقي على قيد الحياة!، في الحال يجيبه صوت ضعيف "أنا هنا بتنفس .."، حوار تلخص بتحمل المسؤولية الصعبة لإنقاذ الناجين تحت العمارة السكنية التي تعود لعائلة أبو العوف في حي الرمال وسط قطاع غزة.

بعد ساعات من العمل المتواصل، استطاع فريق الدفاع المدني من إزاحة بعض الألواح الإسمنتية وإخراج ناجِ يحمل في يده شارة النصر، ووجه قد تلطخ بالدماء، وجسده تآكل تحت أكوام الركام الثقيلة، وملابسه حرقت بنيران صواريخ الاحتلال.

وناجٍ آخر كان يعود لجسد طفلة تبلغ من العمر عشرة أعوام وكان اسمها سوزي رياض، خرجت بجسد معافً ولكنها خرجت بعقل مشوه بالأحداث وصدمة ربطت لسانها دون تمكنها من رواية أي من تفاصيل ما قبل حادثة استهداف بيتهم الذي دخل في أعماق الأرض.

فريق الدفاع المدني حملوا جسد الطفلة على أكفهم، وحاولوا معرفة تفاصيل سريعة منها ليعرفوا إن كان معها أحدا من أهلها لكنها لم تجب على أحد، ليتبين لاحقاً أنها بقيت وحيدة دون أحد من أفراد عائلتها الذين تركوها جميعاً وأضحوا شهداء سوى أبيها.

شهود !

رجال الموت والحياة في ذات اللحظة، هم شهود على مجازر الإبادة بحق النساء والأطفال، هم شهود على حجم النيران المشتعلة في أجساد الضحايا، وهم شهود على فتك المتفجرات بأجساد المدنيين العزل، يرتدون في الظاهر زياً رسمياً يشير إلى مهمتهم الأساسية، وهي من خلف الكواليس مهمة تحمل بين طياتها جبالاً ثقال من ألم وفواجع شعبهم.

رجل الإطفاء حسن العطار، لبى نداء مهمة عاجلة نحو مكان الاستهداف، لكن المفاجأة والفاجعة اجتمعتا عليه في ثوانٍ، فقد كانت عائلته في هذه الكرة تحت ركام الأنقاض، ليبدأ فاجعته بالمناداة على ابنته وأحفاده واحداً تلو الآخر دون استجابة.

رجل الدفاع المدني العطار بكلتا يداه بدأ يلملم أشلاء ابنته المتزوجة لمياء، تلك الشابة التي تبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً، وهي أماً لثلاثة من الأطفال الشهداء في أحضانها "محمد وأميرة وإسلام".

ودع رجل الدفاع المدني، حسن، ابنته "لمياء" وأطفالها الثلاثة، وألقى عليها النظرة الأخيرة، ليعود في الغد القريب إلى عمله ثانية، وربما يتكرر هذا المشهد المؤلم مع أحد رجال الدفاع المدني، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي ضد المواطنين الفلسطينيين الأبرياء.

يذكر أن هذه الصورة سبق أن حدثت مع بعض رجال الدفاع المدني في قطاع غزة، بإستشهاد أشقاء أو أقرباء لهم، بفعل اعتداءات "إسرائيلية" سابقة، ولا زالت حمم بركانية متفجرة تنهال على البيوت السكنية الآمنة في قطاع غزة لليوم الثامن على التوالي.

متعلقات
انشر عبر
إستطلاع للرأي
جاري التصويت ...
ما مدى رضاك عن أداء المؤسسات الحكومية بشكل عام؟