خلف منصة المؤتمر الصحفي وقف الأب "محمد الحديدي"، حاملاً طفله "عُمر" لم يكمل نصف عامه الأول بعد، وهو الناجي الوحيد من مجزرة ارتكبها الاحتلال بحق أبنائه الخمسة وزوجته في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، إثر غارة حربية استهدفت البيت الصغير بصاروخين حربيين حولته إلى كومة من الركام فوق حفرة أدخلت أعمدة البيت وأركانه ومكوناته بداخلها.
الأبناء الخمسة وأمهم والطفل الناجي الذي بقي شاهداً على الجريمة البشعة، مكثت أشلائهم تحت الأنقاض كوضع طبيعي أن كل من تحت سقف هذا البيت هم شهداء، ولكن المعجزة كانت بحق أصغرهم سناً ليبقى نيابة عن عائلته بأكملها شاهداً حياً على الجريمة، ومؤنساً وحيداً لفؤاد أبيه.
محمد الحديدي والد الطفل يوري ما حدث من أسرته، قائلاً: "ذهبت زوجتي وأطفالي لبيت شقيقها علاء أبو حطب للمعايدة بمناسبة عيد الفطر، بعد أن جهزت أطفالي الأربعة يحيى وعبد الرحمن وصهيب وأسامة، وألبستهم ملابس العيد واحضرت لهم الألعاب".
ورغماً عن الأوضاع الدامية إلا ان زوجته فضلت أن تفرح قلوب أطفالها بذهابهم إلى بيت خالهم اصطناعاً لأجواء العيد، فالمسافة التي تفصلها عن بيت أخيها هي مجرد خمس دقائق مشياً على الأقدام.
"الطائرات الحربية قصفت العمارة السكنية لعائلة أبو حطب بصواريخ متفجرة دون تحذير ودون إنذار، فحولت أصحابها إلى أشلاء متناثرة بين الركام، ومن بينها عائلتي"، ويتساءل الحديدي: "ما الذنب الذي اقترفوه كي يقتلوا هكذا؟، بأي ذنب يصاب طفلي عمر الذي لم يتجاوز عمره خمسة أشهر بعينه ويتم كسر قدمه؟، ما الجرم الذي ارتكبناه؟".
المكتب الإعلامي الحكومي آثر أن يفضح الاحتلال بأفعاله الإجرامية، وفضل الكشف عن بنك أهدافه الذي يتغنى به، وأنه يستهدف مطلوبين إرهابين حسبما يدّعي، لكنه يكذب في كل مرة، من خلال تنظيم مؤتمر مقتضب يحكي الجريمة على ألسنة الضحايا بعنوان "شهود على الجريمة".
تفاصيل وشهادات مؤلمة لما حدث معهم أثناء قصف طائرات الاحتلال منازلهم، واستشهاد العشرات من عوائلهم، خلال العدوان المتواصل على القطاع لليوم الحادي عشر على التوالي، كانت على لسان ناجون من الموت.
جريمة مركبة
بشاعة الإجرام بحق عائلتي الحديدي وأبو حطب لم تختلف كثيرًا لدى عائلة أبو العوف، التي نفّذت طائرات الاحتلال بحقها جرائم بشعة طالت 4 عائلات في شارع الوحدة وسط مدينة غزة.
"علاء أبو العوف" شاهد آخر على مجزرة الاحتلال بحق عائلتي أبو العوف والإفرنجي في ذات البناية السكنية، والتي قضى فيها بعضًا من أبنائه وأخته وأطفالها جميعًا شهداء في مجزرة حي شارع الوحيدة وسط قطاع غزة.
يروي أبو العوف شاهدته: "لدي محل تجاري مجاور للبناية التي تقطن فيها عائلتي، لم يردني أي اتصال يفيد بإخلاء المنزل، فقد تفاجأت باستهداف العمارة بالكامل من 4 طوابق، انفجارات وقعت بجانبي وكأن الأرض اهتزت من مكانها".
يكمل والد الشهداء: "كنت أتواجد بمحلي التجاري، وقعت البضاعة على الأرض، فخرجت لأرى ما يحصل، لأتفاجأ بدمار العمارة السكنية بالكامل"، متسائلاً: "هل أرواحنا ليست أغلى من مكالمة أو اتصال من قبل الاحتلال بنا يخبروننا كي نخلي المنزل؟!".
واستشهد في هذه المجزرة البشعة أربعة عشر مواطنًا من عائلتي أبو العوف والإفرنجي، فكانت شقيقته تزوره في منزله للمعايدة عليه برفقة أطفالها الأربعة فحلوا شهداء جميعهم.
وللمواطن علاء الكولك ابنتين كانتا على موعدٍ مع الفرح، الأولى طبيبة عرسها بعد شهر من الآن، والأخرى زفافها الأسبوع القادم، لكنها بصحة جيدة تتلقى العناية بمستشفى الشفاء.
وترقد زوجة الكولك في العناية المركزة بمستشفى الشفاء جراء إصابتها في قصف طائرات الاحتلال الحربية للمنزل.
ويقول: "طفلتي صُدمت حينما شاهدت شقيقتها شهيدة بجانبها"، مضيفًا "ففي الوقت الذي من المفترض أن نشاهد الأطفال يلهون ويلعبون احتفالًا بعيد الفطر، نجد طفلتي تستقبله باستشهاد شقيقتها، والتي لاتزال حتى اللحظة تعاني من صدمة كبيرة، وبأي ذنب يصبح حالنا هكذا؟.
ويطالب الكولك المجتمع الدولي بضرورة تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، قائلًا: "نحن مواطنون أبرياء، قتلنا بدم بارد وبوحشية لا لشيء سوى لأننا فلسطينيين".
المواطن محمد الكولك شاهد أخرى على جريمة الاحتلال التي ارتكبت بحق عائلته، يتساءل: "ماذا أجرمنا كي يرتكب الاحتلال بحقنا أفظع الجرائم، هل يعقل 5 عائلات يعيشون في بناية سكنية لم يتبقى منهم أحياء سوى 4 أفراد؟".
ويتساءل: "أين حقوق الإنسان الدولية؟، أين العالم الذي يدافع عن حقوق الإنسان، حسبنا الله ونعم الوكيل؟".
ويضيف" والدي والدتي من الجد حتى الأحفاد جميعهم استشهدوا لماذا ؟، ما الذي اقترفناه بحق المحتل؟ ولا احنا حرام نعيش مثل شعوب العالم؟".
ومنذ 10 مايو/ أيار الجاري، يواصل جيش الاحتلال عدوانه الواسع على قطاع غزة، ما أسفر حتى الخميس عن 232 شهيدًا، بينهم 65 طفلًا و39 سيدة و17 مسنًا، إضافة إلى 1900 جرحى، بحسب وزارة الصحة في غزة.
دون أي مبرر
وأما المواطن أحمد الزعيم، أحد ملاّك برج الجوهرة وسط غزة، استغرب قصف طائرات الاحتلال للبرج السكني، مؤكدًا أنه برج مدني يضم العديد من الشقق السكنية والمؤسسات التنموية ومكاتب مهندسين وعيادات ومطاعم ومحلات تجارية.
ويوضح الزعيم وهو أحد سكان البرج، أن البرج قصف دون أي مبرر، قائلًا: "الآن بتنا خارج البرج نازحين دون أي مبرر".
ويتساءل: "لماذا يقصف الاحتلال هذا البرج السكني المدني وهو صرح شامخ وسط البلد، دون أي مبرر وهو لا يوجد به أي مكاتب للمقاومة كي يتذرع الاحتلال ويقصفه".
ويعتاد البرج يوميًا 1000 موظف، يشكل البرج ملاذا آمنًا لعملهم، وباتوا الآن بلا عمل، والعديد من أصحاب الشقق باتوا نازحين بلا دخل أو مصدر آخر.
ويطالب الزعيم المجتمع الدولي بالتحرك العاجل للجم الاحتلال الذي اعتاد على قتل الأطفال والنساء، داعيًا للوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على غزة.
ويختم شهادته مؤكدًا "مهما دمر المحتمل نحن صامدون وباقون فداءً للقدس والأقصى والشيخ جراح وكل فلسطين".