حجارة متناثرة.. ركام في كل مكان وكومة من دمار، هكذا تحولت مقار وزارة الداخلية في غزة بعدما عصفت بها حمم صواريخ وقذائف الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه على القطاع.
على مدار أحد عشر يوماً من القصف الهمجي والاستهداف المباشر باتت مقار الداخلية "أثراً بعد عين"، فلم يبقَ شارعٌ في غزة إلا وترك الاحتلال أثراً لآلة حربه عليه.
عدوان غاشم طال كل مناحي الحياة في غزة، ولم يستثن بشراً ولا شجراً ولا حجراً، لكن العدوان انكسر على صخرة صمود وعزيمة شعبنا رغم الجراح النازفة.
وزارة الداخلية والأمن الوطني، التي تتعرض طيلة خمسة عشر عاماً لاستهداف مباشر من قبل الاحتلال، لم تُقعدها الصدمة فنفضت غبار العدوان ولملمت الجراح واستنفرت قواتها وطواقمها رغم ما أصابها من دمار طال معظم مقدراتها، لتُثبت أن تكرار تدمير الاحتلال لمقارها لن يُوقف مسيرتها.
ظنّ الاحتلال أن هذا الدمار يُمثل وصفة سحرية لإحداث إرباك في الحالة الأمنية في غزة، إلا أن السحر انقلب على الساحر، ولم يفت الاستهداف المباشر من عزيمة وثبات أجهزتها الأمنية والشرطية، التي عملت في الميدان على مدار الساعة طيلة أيام العدوان، فالاحتلال يهدف - من وراء استهدافه للوزارة - إلى كسر الجبهة الداخلية، التي مثّلت أحد أهم عوامل ثبات وانتصار شعبنا، الذي يُسجل دائماً حالة استقرار أمني عالية، رغم ما يستهدفه من كيد وبطش.
وخلال أيام العدوان.. واصلت الداخلية الليل بالنهار، ولم تغفل العيون الساهرة عن أداء مهامها في تحصين الجبهة الداخلية، وبذلت طواقم الإنقاذ والإطفاء والإسعاف والإسناد جهوداً جبارة رغم الاستهداف المباشر، وقلة الموارد واهتراء المقدرات، لكن عزيمة الرجال تُكتب لها الغلبة دائماً.
قدّم رجال الداخلية أروع صور البطولة والتضحية، وفي مقدمتهم فرسان الدفاع المدني والخدمات الطبية، والشرطة والأمن الداخلي والأمن الوطني، من والتحموا مع أبناء شعبهم، ليرسموا لوحة صمود أسطوري أعجزت المحتل المجرم، وأشفت صدور قوم مؤمنين.
وما أن وضع العدوان أوزاره، حتى شرعت الأجهزة الأمنية والشرطية بتنفيذ خطة إعادة الانتشار؛ لتأمين الأماكن التي تعرضت للاستهداف، والمحافظة على ممتلكات المواطنين، ومساعدة المتضررين، كما شرعت الفرق الهندسية بمهامها في إزالة مخلفات الاحتلال وقذائفه، وتحييد خطرها عن أبناء شعبنا.
وبعد أربعة حروب نالت من المقار والمقدرات، لكنها لم تنل من عزيمة الرجال، تواصل وزارة الداخلية والأمن الوطني مشوارها، وتبدأ بخطى واثقة مرحلة جديدة من البناء والإعمار، تُراكم فيها الإنجازات، وتثّبت أركان منظومة فريدة.. عنوانها: أمن الوطن وخدمة المواطن.
فشل ذريع
بدوره؛ شدّد مدير عام الشرطة الفلسطينية اللواء محمود صلاح على أن الاحتلال فشل فشلاً ذريعاً في زعزعة أمننا وتهديد جبهتنا الداخلية، وبقي أبناء الشرطة ثابتين في مواقعهم يقدمون الخدمة لشعبنا باقتدار، مؤكداً أن الشرطة ستشرع بإعادة بناء ما دمره الاحتلال، وستستمر بتقديم خدماتها لأبناء شعبنا.
وقال اللواء صلاح عقب جولة عقدتها قيادة الشرطة للصحفيين ووسائل الإعلام على المقار والمباني التي تعرضت للاستهداف الإسرائيلي بمدينة عرفات بغزة: "حاول الاحتلال كسر شوكتنا واستباحة أمننا من خلال عدوانه الهمجي الذي طال كافة مؤسساتنا المدنية والأمنية والشرطية، واستباحة دماء الأبرياء الآمنين".
وأشار إلى أن الاحتلال عمل على إرباك الجبهة الداخلية وثنينا عن تقديم خدماتنا لأبناء شعبنا باستهدافه لمقار الشرطة، مستدركاً "إلا أبناء الشرطة لم يتوانوا عن مشاركة أبناء شعبنا جهادهم ومواجهتهم للاحتلال".
أداء المهام
وعلى صعيد أداء الشرطة مهامها خلال العدوان، أوضح اللواء صلاح أن الشرطة عملت في إداراتها المتخصصة ومحافظاتها كافة في ظل حالة العدوان، وتمكنت من الوصول لأبناء شعبنا وتقديم الخدمات لهم.
ونوه إلى أن إدارة هندسة المتفجرات بالشرطة تمكنت من تحييد أكثر من 295 صاروخ وقذيفة للاحتلال سقطت على منازل المواطنين، وما زالت تعمل بمهارة واقتدار بالرغم من قلة الإمكانات واستهداف مقرها الرئيس.
وأضاف مدير عام الشرطة: "ساهم أفراد الشرطة إلى جانب طواقم الدفاع المدني والخدمات الطبية في تقديم المساعدة الإغاثية لأبناء شعبنا، وتوفير الجو المناسب لفرق وطواقم الإنقاذ، التى عملت على حماية أرواح وممتلكات المواطنين".
وبيّن اللواء صلاح أن إدارة المباحث العامة عملت على حفظ وتعزيز الجبهة الداخلية، وقطع الطريق أمام المتفلتين ممن تعمدوا بث الشائعات والفوضى، وتم اتخاذ المقتضى القانوني بحقهم.
استغاثات المواطنين
وأشار إلى متابعة إدارة العمليات والاتصال بالشرطة استغاثات المواطنين، وتلقت أكثر من 12 ألف اتصال استغاثة خلال العدوان، وقدّمت الخدمات اللازمة لهم.
وتابع: "قدمت شرطة المحافظات الخمس والشرطة النسائية خدماتها لأهلنا في أكثر من 60 مراكزاً لإيواء النازحين من جراء القصف الإسرائيلي، وحافظت على حالة الأمن والاستقرار ومنع التجاوزات".
وأكد مدير عام الشرطة أن ما دمره الاحتلال من مبانٍ ومقرات شرطية لن يثنينا عن مواصلة عملنا وتقديم خدماتنا لأبناء شعبنا، مضيفاً "سنبقى الدرع الحامي لهم في كل المحطات وتحت كل الظروف".
ولفت اللواء صلاح إلى أن جهاز الشرطة قدّم خلال العدوان ثلة من خيرة أبنائه شهداء، هم الشهيد الملازم مالك إسماعيل حمدان والشهيد الجندي يوسف حاتم المنسي والشهيد الشرطي محمد رشيد النجار والشهيد الشرطي محمد خالد الطواشي، بالإضافة لإصابة عدد آخر أثناء تأديتهم واجبهم الوطني.
ونظمت الشرطة جولة للصحفيين ووسائل الإعلام على المباني المدمرة في مدينة عرفات للشرطة.