اسرائيل اليوم - بقلم: دانييل دورون
(المضمون: الرفاهة الاقتصادية للسكان العرب في المناطق المحتلة فقط ستنشىء قاعدة عامة لسلام مستقر).
دهشنا اخيرا للنتائج المفاجئة للانتعاش الاقتصادي الذي حدث في نابلس وجنين ورام الله. جرت ازاء نواظرنا مقابلات صحفية مع شبان وشابات يلبسون افضل بناطيل الجينز، وهم يقضون اوقات فراغهم معا ومن ورائهم نراجيل في مقاه عصرية. تحدثوا بلا خوف لعدسة التصوير اليهودية عن مبلغ اللذة في صنع شيء من المال واللهو بدل شغل النفس بالسياسة وحروبها. لولا اغطية رؤوس البنات والانجليزية الفصيحة في افواهن لكان يمكن ان نتخيل لحظة ان مصورة القناة الاولى قد تبلبلت وصوت جماعة من الشبان الاسرائيليين في شارع شينكن.
ان صور خصام الاخوة في مؤتمر فتح في بيت لحم اسرعت باعادتنا الى واقع القتال، والى السياسة اللعينة التي تؤجج النزاع، ويبدو انه سيكون واجبا عليهم وعلينا الانتظار بصبر الى ان يتحقق شيء من آمال ابناء الجيل الشاب الذين اجريت اللقاءات معهم اخيرا في مراكز الاستجمام الجديدة في المناطق؛ الى ان يتحقق شوقهم الى حياة "طبيعية" ونماء اقتصادي، كما عبروا عنه بشجاعة مفاجئة امام عدسات التصوير.
وذلك لانني اشك في ان يمكن النماء الاقتصادي الباحثين عن السلام بين الشبان من تحقيق حتى شيء ضئيل من احلامهم. اخاف من ان يكون اولئك المسمون "شبان فتح"، والذين انتخبوا في المؤتمر الاخير في بيت لحم، سيضحون على مذبح الوطنية الهستيري بالقليل من الرفاهة التي بدأ يتذوقها الشبان الحقيقيون في المناطق.
هذا في الحقيقة سر خفي، لكن منذ احتلال المناطق في حرب الايام الستة الى الانتفاضة الاولى في 1987 واتفاق اوسلو الذي أتى في اعقابها في 1993، نشأ بيننا وبين عرب فلسطين مسيرة سلمية – ليست رسمية في الحقيقة، لكنها مباركة وكثيرة النتائج الجيدة من التعاون الاقتصادي. فقد عمل مئات الاف العرب في اسرائيل بلا عائق، ونحن اشترينا وأكلنا في بلداتهم بلا خوف.
صحيح سيطرنا عليهم، والاحتلال ليس شيئا مرغوبا فيه، ومن المحقق انه لا يحبه احد، لكن في اطار القانون والنظام الذين فرضهما الاحتلال تعلم الشعبان ان يتعاونا بعضها مع بعض على رفاهة الطرفين (ولا سيما رفاهة الجانب الفلسطيني، الذي ارتفع مستوى حياته وافضى الى تغييرات مباركة بالنسبة لطبقة العمال والنساء والاولاد الذين كانوا مضطهدين في المجتمع المسلم التقليدي).
ثم احتمال انه لو تركوا هذه المسيرة تتطور، لنشأت بالتدريج حلول سياسية كانت تنمو من أسفل (ربما على نحو يشبه فدرالية الكانتونات السويسرية). لكن الساسة الطامحين الى الانجازات والتكريم ومؤيديهم في الجامعات، الذين تنبع حكمتهم كلها من النظرية البريئة تماما من ملامسة الواقع، قرروا تأجيل النهاية.لقد بادروا فرض حل من أعلى، اتفاقات اوسلو، تلك الاتفاقات التي جعلت السكان العرب عبيدا لنظام ارهابي، نظام ارغام وفساد جلب كارثة على الشعبين فقط. فكل ذلك بطبيعة الامر باسم احترام حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير المصير.
أتى اتفاق اوسلو الفلسطينيين بديكتاتوريتهم، الديكتاتورية التي سلبتهم حقوقا انسانية اساسية باسم قومية متطرفة وكراهية اسرائيل
ادركت حكومة الليكود انه لا احتمال لمسيرة سلمية سياسية حقيقية بغير نمو اقتصادي. فالرفاهة الاقتصادية فقط تستطيع ان تنشىء قاعدة عامة واسعة للسلام؛ الرفاهة الاقتصادية فقط ستنشىء في المناطق مجتمعا مدنيا يؤيد السلام كمصلحة محسوسة لا كشعار كما ترى "سلام الان".
بخلاف المرتزقة الذين يسمون محاربي حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهم مرتزقة يزيدهم النزاع قوة في طغيانهم، سيكون للجمهور الفلسطيني حافز على حفظ السلام تحت الرفاهة الاقتصادية. لهذا فالقانون والنظام الى جانب التقدم الاقتصادي شرط ضروري لاحراز السلام.
عندما تكلم نتنياهو على السلام الاقتصادي، سخر بعضهم من ذلك وكأنه يقصد التهرب من السلام الحقيقي. لكن الصور من المقاهي في رام الله تتحدث من تلقاء نفسها، وهي أعظم قيمة من سخرية الساخرين كلها.
المصدر: مركز أبحاث المستقبل/تقرير الصحف العبرية، 17/8/2009.